سرد الإعلامي الكندي إيريك شاتزكر، في تقرير نشرته وكالة “بلومبرج” العالمية”، تفاصيل ما أطلق عليه “العشاء الأخير” للأمير السعودي الوليد بن طلال قبل أيام من اعتقاله، ضمن مجموعة من الشخصيات البارزة في المملكة، على خلفية اتهامهم بالفساد وغسل أموال.
يقول شاتزكر: “قبل عشرة أيام من أن يُصبح الهدف الأبرز في حملة مكافحة الفساد السعودية، قضيت أُمسية في الصحراء مع الأمير الوليد بن طلال”. ويمضي في تفاصيل الأُمسية “جلسنا في الهواء الطلق على وسائد وُضِعت على سِجاد هائل بُسِط على الرمال، تحدّثنا عن أسهم التكنولوجيا والسياسة الأمريكية، احتسينا القهوة العربية، شاهدنا مباراة لكرة القدم على شاشة تِلفاز ضخمة في الخارج، وتجوّلنا لمدة 50 دقيقة سيرًا على الأقدام تحت النجوم، وفي الـ11 مساءً حلّ وقت العشاء.
وتناولت الضأن والروبيان والأرز والسلطة من (بوفيه) ضخم ضمّ ما لا يقل عن اثنتيّ عشرة طبقًا”. وأردف شاتزكر “إذا كان الوليد على عِلم بما كان سيحدث بعد ذلك، ما كان له أن يُظهِر كل ذلك”، وأشار إلى أن الملياردير السعودي بدا سعيدًا ومُسترخيًا خلال الاُمسية.
كما أنه هتف عندما فاز نادي الهلال في الرياض بالمباراة. كان منتصف الليل تقريبًا عندما عقد الأمير “مجلسًا”، وهو احتفال بدوي تقليدي يأتي فيه رجال القبائل لتقديم تعازيهم وطلباتهم.
مجموعة من الرجال في جلاليب بيضاء وأغطية رأس عربية بيضاء في حمراء اصطفوا في الظلام. أخذوا يخلعون أحذيتهم، واحدًا تلو الآخر، ثم انحنوا للوليد بن طلال، مُسلّمين إيّاه مجموعة من الأوراق. وصار الأمير يؤشر على كل ورقة، ثم بدأ في رصّها حتى تحوّلت إلى “كومة أوراق”.
ويُتابع مصوِّرًا الأجواء، قائلًا “في أحد الجوانب، ظهرت مجموعة من الإبل “تبرُك” على الأرض، واثنين من الصقور المُقنّعة وُضِعا في مكان عالٍ.
وكانت هناك ساعة رقمية، وراء شاشات التلفاز، تومِض كلما تقدّم الوقت وتُسقِط درجة الحرارة تدريجيًا. ومن خلفنا، سارت قافلة منازل متحركة ومقطورات متنقّلة تحمل مكاتب وغرف معيشة”.
وأضاف “عندما انتهى الحفل شكرت الأمير على حُسن ضيافته، صعدت إلى سيارة دفع رُباعي، وانطلقت للحاق بطائرتي في 4:07 دقائق صباحًا، للخروج من المملكة”.
وفي وقت ما في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، في المخيم الصحراوي نفسه، اعتُقِل الوليد من قبل القوات السعودية. ومكان وجوده غير معروف الآن.
كان الوليد واحدًا من بين 11 أميرًا جرى اعتقالهم واحتجازهم، جنبًا إلى جنب مع 4 وزراء حاليين وورجال أعمال وعشرات الوزراء السابقين.
وقال مسؤول بارز في الحكومة السعودية لـ”بلومبرج” إن التُهم الموجّهة للملياردير السعودي تتضمّن “غسيل أموال، ورشاوي، وعمليات ابتزاز”.
وأعلن النائب العام في المملكة، في بيان نُشِر الإثنين، إن المُشتبه بهم سيُحاكمون وسيُكفل لهم حقهم في الحصول على المشورة القانونية.
وعن علاقته بالمليادرير السعودي، يحكي ششاتسكر “أعرف الوليد منذ 9 أعوام تقريبًا، وأجريت معه عدة لقاءات على تليفزيون بلومبرج.
لقد كان، ولا يزال، شخصية مثيرة للاهتمام: فهو أمير سعودي لم يحصد ملياراته من قطاع النفط، دائم التحدّث عن حقوق المرأة، تجمعه علاقات صداقة مع روبرت مردوخ وبيل جيتس.
يشعر بالارتياح في ارتداء الزي السعودي التقليدي والملابس الرسمية”.
ويلفت شاتزكر إلى أن مواقف الوليد الخاصة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بدت أنها تتفق مع تيار الحداثة الحالي الذي تخطو عليه المملكة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا.
فعلى سبيل المثال، كان الوليد من أشد المُعارضين لحظر المرأة من قيادة السيارات، وكتب على حسابه على تويتر في 2013، يقول إن “الحظر غير منطقي”.
إلى أن أعلنت الحكومة السعودية، قبل 6 اسابيع، رفع الحظر والسماح للسعوديات بالقيادة بحلول يوليو المُقبل.
ونوّه الإعلامي الكندي إلى أنه أجرى مقابلة مع الوليد في شقته في الرياض، قبل عام، أخبره خلالها أن خطط الأمير محمد بن سلمان لتقليل اعتماد المملكة على عائدات النفط، وخفض العجز فى الميزانية، واجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية “كانت تلقى ترحيبًا كبيرًا ودعّمتني شخصيًا”.
ودائمًا ما يؤكّد الوليد أن ثروته، التي يُقدّرها مؤشر بلومبرج بـ17.8 مليار دولار، جمعها باجتهاده الشخصي. في عام 1991، انطلق إلى عالم الشهرة في القِطاع المالي من خلال إحياء بنك سيتي بنك، الذي كان يتخبط في ذلك الوقت، باستتثمارات بلغت قُرابة الـ600 مليون دولار.
وعلى مرّ السنين، ضخّ استثمارات في شركات بارزة مثل “موتورولا “و”تايم وارنر”، ومؤخرا شركتيّ “تويتر” و”ليفت”.
معظم ثروات الوليد تتركّز في شركة “المملكة القابضة”، مجموعة الاستثمارات الدولية التي يرأس مجلس إدارتها منذ عام 2007 وما زال يتحكّم في 95 بالمئة من أسهما، غير أن هذه الأسهم تهاوت بنسبة 21 بالمئة تقريبًا منذ اعتقاله، لتنخفض ثروته بمقدار 1.3 مليار على الأقل.
فيما يصُب الباقي من ثروته في مجموعة متنوعة من الأصول، بما في ذلك المجوهرات، الشركات الإعلامية، والعقارات.
ويتذكّر شاتزكر تفاصيل زيارته الأولى للسعودية، قائلًا “في زيارتي الأولى للمملكة في عام 2010، اصطحبني الوليد في جولة لمدة خمسة أيام للتعرّف على مصالحه التجارية وممتلكاته وأسلوب حياته.
تجوّلنا في سوبر ماركت هايبر بنده، في وسط الرياض، وتوقّفنا عند مطعم هرفي للوجبات السريعة -النسخة السعودية من بيج ماك.
وسمح لي الأمير باستكشاف قصره، الذي يضم 400 غرفة، وقُمنا بزيارة شقته الواقعة في أحد طوابق برج المملكة المرتفعة، ومُنتجع يطل على الوادي في ضواحي المدينة ومخيمه الصحراوي القديم”.
ويلفت إلى أن الأمير السعودي يملك طاقم موظّفين من مئات الأفراد: “طُهاة، وبائعي زهور، ومنسقي سفر، وأفراد أمن شخصي، وطيّارين وأكثر من ذلك”.
ولم يكن لديه طائرة خاصة واحدة، بل عدة طائرات خاصة، بما في ذلك واحدة مطليّة بالذهب من طراز بوينج 747. وأوضح شاتزكر أنه استغرق وقتًا لدراسة استثمارات الوليد وفهم مركزه غير العادي في التسلسل الهرمي السعودي، الأمر الذي دفع الأمير السعودي لمنحه مكافأة نظير فضوله المعرفي.
تجسّدت المكافأة في منحه الفرضة للانضمام للملياردير السعودي في رحلتين، أحدهما إلى إنجلترا في عام 2010، والثانية في الرياض في عام 2012.
فضلًا عن إتاحته الفرصة لإجراء 5 مقابلات حصرية ولقاءات عدة في نيويورك، في مكاتب بلومبرج وفي فندق بلازا، الذي يملك فيه حصة أقلية.
هذا الانخراط ساعد شاتزكر على تكوين صورة عن تفضيلات الأمير الملياردير وعاداته.
يقول “أعلم، على سبيل المثال، أنه نباتي، يفضل الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية. أعلم أن العشاء يُقدّم له من أربعة أطباق: سعودي، لبناني، غربي- فرنسي وإيطالي- وآخر قائمة على حِمية غذائية.
أعلم أنه يُتابع الأخبار المالية والدولية باستمرار، حتى وهو في السيارة، وغالبًا مايُتابعها عبر تليفزيون بلومبرج، شبكات سي إن بي سي، وفوكس، وسي إن إن، على شاشات متعددة في آنٍ واحد.
وأعلم أنه يحب أن يضع صورًا لنفسه في كل ركن، حتى أنه يضع صورة داخل الثلاجة في المطبخ الصغير قُبالة غرفة نومه في قصره. لقد رأيت ذلك”. وأشار شاتزكر إلى أنه سمع بنبأ اعتقال الوليد، بينما كان يقضي عُطلة في جزء بعيد من جزر البهاما، التي تتسم بمحدودية الوصول إلى الإنترنت، ومنذ ذلك الحين يُكافح من أجل استيعاب ما حدث وفهم القصة.
هل كان هناك أي أدلة تُشير إلى وقوعه في ورطه؟
وقال إن الشيء الوحيد الذي يُفكر فيه الآن هو واقعة حدثت في فبراير 2015، بعد أسابيع قليلة من وصول الملك سلمان إلى العرش السعودي.
فعلى مدى سنوات، كان الوليد، ابن شقيق الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز المُفضّل، يخطط لتدشين قناة تليفزيونية باللغة العربية تبثّ أخبارًا من وجهة نظر أكثر انفتاحًا عن غيرها في المنطقة.
وأطلق عليها اسم “قناة العرب”، وشكّلها بشراكة مع بلومبرج إل بي، الشركة الأم لتليفزيون بلومبرج، ومقرها في البحرين.
في اليوم الأول من عملها، أُغلِقت “العرب” بأمر من الحكومة البحرينية ولم يعاد فتحها مُطلقًا.
وقالت البحرين إن برنامجًا أذاعته القناة تضمن مقابلة مع سياسي معارض، فشل في “مراعاة الجهود الرامية إلى القضاء على تيار التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم”.
يقول شاتزكر إن هذه الواقعة كانت إشارة على أن الوليد أخطأ في قراءة التعامل مع اختلاف المعارضة من قِبل البحرين، والأهم من ذلك، في المملكة العربية السعودية، جارتها وراعيها الاقتصادي.
وأوضح شاتزكر أنه بقي على تواصل مع الوليد، بتبادل الرسائل النصية عبر تطبيق واتساب، لافتًا إلى أنه حاول الوصول إليه خلال الأيام القليلة الماضية، لكن محاولاته باءت جميعًا بالفشل.
وتمثّل الاتصال الوحيد من جانب الوليد في بيان صادر عن شركة المملكة القابضة، تؤكّد فيه “مواصلة عملياتها التجارية المعتادة وحصولها على ضمانات من الحكومة”.
واختتم شاتزكر قصته بالقول “آخر لقاء جمعني بالوليد في الصحراء، أظهر لي كتابًا كان يقرأه بعنوان (لماذا ننام؟) للدكتور في علم الأعصاب، ماثيو ووكر. أخبرته حينها أنني كنت أخطط لقراءته، واتفقنا على إجراء نقاش حول الكتاب بمجرد أن أقرأه. والآن، فيبدو أن هذا النقاش لن يُجرى أبدًا”.